رحلة اليقين (22) - الشيفرة المحيرة - د. إياد قنيبي
Description
أيُّها الكرامُ، في الحلقةِ الماضيةِ رأيْنا الطُّولَ المَهُولَ للمادةِ الوراثيَّةِ في جسمِ الواحدِ منَّا.
اليومَ سنرَى ما هو أعْجبُ!، سنرى كيفَ تُتَرجمُ هذه المادَّةُ الوراثيَّةُ إلى شحمٍ ولحمٍ ودمٍ، شاهدٌ آخرُ على صُنعِ اللهِ الَّذي أتْقنَ كلَّ شيءٍ.
الموضوعُ ليسَ سهلًا، وقد يبدُو في البدايةِ عِلميًّا جامدًا، لكنَّهُ مهِمٌّ للغايةِ، فأنصحُ جدًّا بالصَّبرِ إلى النِّهايةِ، وستكُونُ الفائدةُ عظيمةً -بإذنِ اللهِ-.
كيفَ تتِمُّ ترجمةُ الجِينِ إلى بروتينٍ؟
الجِينُ أشبهُ ما يكونُ بأحرُفٍ مَقروءةٍ، والبروتينُ جُسَيْمٌ حقِيقيٌّ مَبنيٌّ من مجموعةِ أحماضٍ أمِينيَّةٍ، أي مجموعةُ أحماضٍ أمينيَّةٍ متَّصلةٍ ببعضِها تشكِّلُ البروتينَ.
ما هي هذه العمليَّةُ الَّتي تبدُو وكأنَّها عاقِلةٌ، فتقرأُ الأحرُفَ وتفُكُّ ترميزَهَا وتُصَنِّعُ
البروتينَ على أساسِها؟
تأتِي قارئاتٌ إلى الجِينِ المُرادِ ترجمتُه تحديدًا، هذه القَارئاتُ عبارةٌ عن مجموعةٍ من الُجسَيماتِ المُتجمِّعةِ، تأتِي فتَفُكَّ خَيْطَي المادَّةِ الوراثيَّةِ (دي إن ايه) "DNA" عن بعضهما وتَقرأُ أحدَهُما فتُصَنِّعُ شريطَ: (آر إن ايه) "RNA" متناسبًا معهُ.
هذه الجُسَيماتُ التي تُشبهُ المَطارِقَ هي عِبارةٌ عن نيوكليوتيداتٍ مختلفةٍ موجودةٍ في نواةِ الخليَّةِ، تَصُفُّها القَارِئَاتُ على حسبِ الجينِ، أي تتَّخِذُ الِجينَ كقالَبٍ تُشَكِّلُ على أساسِه شريطَ النُّسخةِ.
بعد ذلكَ تَخرجُ النُّسخةُ خارجَ النَّواةِ، فيأْتِي عاملٌ والَّذي في حالةِ الخليَّةِ يُسمَّى رايبوزومًا "Ribosome" ليقْرأَ النُّسخةَ ويُصنِّعَ وحدةَ بناءٍ على أساسِها.
هنا تأتِي عُقدةُ تحويلِ النُّسخةِ إلى بروتيناتٍ، النسخةُ مكونَّةٌ من نيوكليوتيداتٍ، أي من حُروفٍ من كَلامٍ، والبروتينُ مُكوَّنٌ من أحْماضٍ أمينيَّةٍ، أي من مادَّةٍ حقيقيَّةٍ.
كيفَ سَيسْتطيعُ هذا العاملُ الرَّايبوزومُ أنْ يَبنيَ بروتينًا من قراءةِ شريطِ نيُوكليُوتيداتٍ؟
لذلك نقولُ إنَّ البروتينَ النَّاتجَ مُرَمَّزٌ في المادَّةِ الوراثيَّةِ، أي أنّ المعلوماتُ اللَّازمةُ لصناعتِهِ مُخزَّنةٌ في المادَّةِ الوراثيَّةِ بلُغةٍ خاصَّةٍ، وتحتاجُ قارئاتٍ قادرةً على فكِّ الرَّمز.
تَكَوَّنَ البروتينُ -أي وحدةُ البِناءِ-، فتَتلقَّفَهُ مُعرِّفاتٌ خاصَّةٌ تقُودُهُ إلى المَكانِ المناسبِ له في الخليَّةِ، مِثلَ مَا يقومُ العُمَّالُ بوَضعِ وحداتِ البناءِ في المكانِ المناسبِ من المدينةِ.
مثلًا، هُناكَ بروتيناتٌ تتجمَّعُ لتُشكِّل حُزَمًا، هذهِ الحُزَمُ تُشكِّلُ ما يُشْبهُ شَبكةَ الطُّرقِ داخلَ الخلي