رحلة اليقين (3) - الفطرة والكمبيوتر - د. إياد قنيبي
Description
أيُّها الأحبَّةُ، سنَبدأُ اليومَ بأصلِ الأصولِ: بإثباتِ وجودِ اللهِ عزَّ وجلَّ، لِنُؤسِّسَ القاعدةَ الَّتي منها ننطلقُ إلى ما بعدَها.
بدايةً إخوانِي، ما الَّذِي يدُلُّنا على وجودِ اللهِ؟ إنَّها الفِطْرةُ والعقلُ.
وسنتكلَّمُ في البدايةِ عنِ الأدلَّةِ الفطريَّةِ: ما هيَ الفطرةُ؟ كثيرًا ما نسمعُ هذهِ الكلمةَ، ماذا تعنِي؟ وكيفَ تدُلُّ على وجودِ اللهِ تعالى؟
الفطرةُ هي قُوًى واندفاعاتٌ مودَعَةٌ في نفسِ الإنسانِ، تظهرُ آثارُها أثناءَ نموِّهِ وتفاعلِهِ معَ بيئتِهِ، بدءًا مِن الْتِقامِهِ ثديَ أُمِّهِ ليرضعَ، ثمَّ انجذابِهِ للحقائقِ والأخلاقِ السَّليمةِ.
يمكنُ تشبيهُ الفطرةِ للإنسانِ، بنِظامِ التَّشغيلِ للحاسوب "Operating System"
نظامُ التَّشغيلِ هذا لهُ مكوِّناتٌ تتعاونُ وتأتلفُ فيما بينَها لتُعطيَ إنسانًا سَوِيًّا، لاحِظْ قولَ اللهِ تعالى:}لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ{
فأحسنُ تقويمٍ: يشملُ المكوِّناتِ الفطريَّةَ اللّازمةَ لتحقيقِ الغايةِ مِنْ خلقِ الإنسانِ، وهيَ تُفهَمُ كذلكَ منْ قولِ اللهِ تعالى حِكايةً عن موسى عليهِ السَّلامُ: }رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ{
فإنَّ مِمَّنْ هدَى: الإنسان؛ فاللهُ تعالى أحسنَ تقويمَ الإنسانِ، وهداهُ بالفطرةِ.
فهداهُ بالفطرةِ إلى:
1- الإقرارِ بأنَّ لهُ ولهذا الكونِ خالقًا مُدبِّرًا، والشُّعورِ بالحاجةِ إلى هذا الخالقِ، وكذلكَ اللُّجوءِ إليهِ عندَ الشَّدائدِ.
2- وهداهُ بالفطرةِ الَّتي ستُكَوِّنُ لديهِ المُسَلَّماتِ العقليَّةَ، والَّتي بِها يَفهمُ خطابَ هذَا الخالقِ وتكليفَهُ إِيَّاهُ.
3- وهداهُ إلى السُّؤالِ عنِ الغايةِ منْ وجودِهِ، ومصيرِهِ بعدَ موتِهِ، بما يُكَوِّنُ القوَّةَ الدّافعةَ للبحثِ عن أمرِ خالقِهِ، والعملِ بهِ.
4- وهداهُ أيضًا إلى النَّزعةِ الأخلاقيَّةِ مِنْ محبَّةٍ فطريَّةٍ للخيرِ والعدلِ والصَّلاحِ، وكراهيةٍ للشَّرِّ والظُّلمِ والفسادِ بما ينسجمُ معَ أوامرِ الخالقِ الشَّرعيَّةِ، فيميلُ إلَيها الإنسان ُويحبُّها.
5- وهداهُ للشُّعورِ بالإرادةِ الحُرَّةِ، بما يجعلُهُ مختارًا لأفعالِهِ في طاعةِ الخالقِ أو معْصيَتِهِ: «وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ»
6- وهداهُ إلى الغرائزِ اللّازمةِ لِمَعيشتِهِ بشكلٍ سَويٍّ ما دامَ في فترةِ الاختِبارِ على هذهِ الأرضِ، كغريزةِ الأمومِة، وغريزةِ حُبِّ البقاءِ.
هذا التَّعريفُ المُوَسَّعُ للفطرةِ تجدُ قريبًا منهُ في كلامِ ابنِ عاشورَ في (التَّحريرِ والتَّنويرِ) عندَ قولِ اللهِ تعالى: «لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْ